فصل: فصل في الفلس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الفلس:

مشتق من الفلوس عياض: لأن المفلس صار ذا فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة إلخ. والمراد أنه صار وضيعاً بعد أن كان ذا عز وشرف، وفي الخبر الصحيح: (إن نفس المؤمن مرهونة بدينه) أي محبوسة عن مقامها الكريم في البرزخ فلا تكون منبسطة فيه مع الأرواح المنبسطة فيه، ومحبوسة أيضاً بمعنى معوقة عن دخول الجنة حتى يرضيه الله من عنده، أو يعوضه بقدر دينه من حسناته إن وجدت فإن لم توجد طرح عليه من سيئاته انظر (ز). واعلم أن لمن أحاط الدين بماله ثلاثة أحوال:
الأولى: قبل قيام الغرماء فلا يجوز له تصرف في شيء من ماله بغير عوض كالهبة والصدقة والعتق والإقرار لمن يتهم عليه، وإلى هذه الحالة أشار الناظم بقوله:
وَمَنْ بِمَالِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ لا ** يَمْضي له تَبَرُّعٌ إنْ فَعَلا

(ومن بماله أحاط الدين لا يمضي له تبرع) من عتق وما ذكر معه ولهم رده إن لم يعلموا به إلا حين قيامهم (إن) هو (فعلا) ومعنى أحاط زاد أو ساوى لأن العلة وهي إتلاف مال الغرماء داخلة في المساوى، وهذا إذا ثبتت الإحاطة فإن لم تثبت فتبرعه ماض حتى تثبت فيرد، ومفهوم تبرع أن تصرفه بالبيع والشراء ماض وهو كذلك إن لم يحاب، وإلا فالدين أحق بالمحاباة لأنه هبة وكذا تمضي نفقته على أبيه وابنه ونفقة عيدين وأضيحة لأنها ليست من التبرع ولو أسرف في ذلك وفات بذهاب عينه تبعه بالسرف فإن كانت عينه قائمة فيرد السرف ودخل في قوله: ومن بماله أحاط الدين الخ: الحميل إذا تحمل بما يحيط بماله فإنه لا يجوز له التبرع قاله أبو الحسن. ومفهوم أحاط إن من لم يحط الدين بماله إذا قام عليه ربه، فأما ان يكون معلوم الملاء أو ظاهره أو مجهول الحال فيجري على ما تقدم في الفصل قبله، فإن ادعى العدم وأثبت ربه ملكاً معيناً له، فإن أقر بذلك أمره الحاكم ببيعه فإن أبى حكم عليه بالضرب والسجن حتى يبيعه ولا يبيعه الحاكم عليه كبيعه على المفلس كما مر، لأن هذا لم يفلس وإن أنكر أنه ملكه باعه الحاكم حينئذ نقله (ح).
تنبيه:
وكما للغريم منعه من تبرعه كذلك له أن يمنعه من سفره إن كان الدين يحل بغيبته ولم يوكل من يقضيه ولا ضمنه موسر، وإلاَّ فلا يمنعه فإن خشي سفره حلف أنه ما يريد سفراً فإن نكل كلف حميلاً ثقة يغرم المال ومحل تحليفه إذا علم وقوفه عند اليمين، فإن علم أو ظن عدم وقوفه عندها كلف حميلاً ثقة يغرم المال لأن اليمين إنما شرعت لحفظ المال، فإن علم أو ظن عدم الحفظ لم تشرع ويكون المشروع ما يحصل به الحفظ. اهـ. انظر شرحنا للشامل، وانظر ما تقدم عند قوله في الضمان: وهو بوجه أو بمال جار إلخ. من أن الإنسان إذ باع سلعة إلى أجل فظهر من المشتري إخلال وأنه لا يوجد له عند الأجل شيء فإنه يكلف بحميل أو رهن أو يضرب على يده فيما بيده.
والحالة الثانية بعد قيام الغرماء وقبل حكم الحاكم بخلع ماله فلا يجوز له تصرف ببيع ولا بغيره كما قال:
وَإنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا في أمْرِهِ ** تَشَاوُراً فَلاَ غِنًى عنْ حجْرِهِ

(وإن يكن للغرما في أمره تشاوراً) بأن قاموا عليه وأرادوا تفليسه ولو لم يرفعوه للحاكم (فلا غنى عن حجره) لهم بأن لا يمضي له بيع وقع بعد قيامهم ولا شراء ولا قضاء بعض غرمائه دون بعض، ولا إقراره إلا إذا أقر لمن لا يتهم عليه بمجلس القيام أو قربه، والحال أن جميع دينه ثابت بإقرار لا إن ثبت جميع دينه ببينة لأنه أدخل نقصاً على من ثبت دينه بالبينة بمجرد قوله بأن كان بعضه بإقرار وبعضه ببينة، فإنه يدخل مع من ثبت دينه بإقرار لا ببينة، ولو تداين في هذه الحالة دخل الأولون مع الآخرين فيما بيده وما ذكره الناظم من أن التشاور هو حد التفليس هو قول ابن القاسم، وقيل التفليس هو حكم الحاكم، وقيل هو سجن المدين.
والحالة الثالثة: أن يقوموا ويرفعوه للحاكم ويحكم بخلع ماله لهم، وفائدتها أنه إذا تداين بعد الحكم المذكور فلا دخول للأولين فيما بيده إلا أن يكون فيه فضل ربح كما أنه إذا مكنهم قبل الرفع من ماله فباعوا واقتسموا، ثم داين غيرهم فلا دخول للأولين مع الآخرين إلا إذا بقي بيده فضل ربح أيضاً وأشار (خ) إلى الحالة الأولى بقوله: للغريم منع من أحاط الدين بماله من تبرعه وسفره إن حل بغيبته، وإلى الحالة الثانية بقوله: وفلس حضر أو غاب إن لم يعلم ملاؤه بطلبه ديناً حل فمنع من تصرف مالي إلخ. فقوله: فلس أي حجر، والضمير المجرور بالمصدر في قوله: بطلبه يعود على رب الدين لا على التفليس كما لشراحه أي: بطلب رب الدين دينه الحال زاد على ماله أو بقي ما لا يفي بالمؤجل وطلبه هو قيامه عليه به فيستتر المدين عنه أو يواعده للمحاسبة ونحو ذلك، فيبيع أو يشتري في ذلك الوقت فإن ذلك يرد لأنه بقيامه حكم الشرع بحجره له، وإلى الثالثة بقوله: ولو مكنهم الغريم فباعوا واقتسموا ثم داين غيرهم فلا دخول للأولين مع الآخرين كتفليس الحاكم إلخ. وكل حالة من هذه الأحوال تمنع بما تمنعه التي قبلها ولا عكس.
ولما كانت الحالة الثانية حجراً شرعياً كالثالثة قسم ابن عرفة التفليس إلى أعم وأخص فقال في الأعم: قيام ذي دين على مدينه ليس له ما يفي به موجبه أي ثمرته منع دخول إقرار المدين على متقدم دينه، وقال في الأخص: حكم الحاكم بخلع كل مال المدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه موجبه منع دخول دين سابق عليه على لاحق بمعاملة بعده. اهـ. واعترض بأن من شأن الأعم صدقه على الأخص، وهو هنا ليس كذلك إذ الأعم قيام الغرماء. والأخص حكم الحاكم وهما متباينان، وتقدم مثل هذا الاعتراض عليه في الشركة حيث قسمها إلى أعم وأخص، وما أجيب به عنه هنا من الأعمية باعتبار الأحكام لا باعتبار الصدق، ولا شك أن الأخص إذا ثبت منع من كل ما منعه الأعم وزيادة دون العكس فغير ظاهر لأنه يقتضي أن يكون حكم الحاكم هو الأعم، وقيام الغرماء هو الأخص، والواقع في كلام ابن عرفة خلافه، وإنما الجواب الحق أن يقال إنه لا مباينة بين الرسمين لأنه اعتبر في الأخص قيدين. أحدهما: حكم الحاكم، وثانيهما: قوله لغرمائه إذ اللام فيه يتعين أن تكون بمعنى (عند) كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء: 78) وهو على حذف مضاف دل عليه المعنى أي: هو حكم الحاكم عند قيام الغرماء فكأنه قال هو قيام الغرماء مع حكم الحاكم ولم يعتبر في الأعم حكماً والشيء مهما ازداد قيداً ازداد خصوصاً نظيره الحيوان مع الحيوان الناطق، فالأول أعم من الثاني قطعاً لصدقه بالناطق وبغيره، وكذا قيام الغرماء في كلام ابن عرفة هو مقيد في الأخص بالحكم، ولم يقيد به في الأعم. فالأحكام المترتبة على الأعم في كلام ابن عرفة توجد بوجوده وجد مع ذلك الأعم حكم حاكم أم لا. والأحكام المترتبة على الأخص لا توجد إلا مع حكم الحاكم. لا يقال: إذا مكنهم الغريم فباعوا واقتسموا فقد وجد الحكم المرتب على الأخص وهو عدم دخول الأولين مع الآخرين مع أنه لا حكم هنا لأنا نقول: تمكينه من البيع والقسمة بمنزلة حكم الحاكم، إذ لو رفع الأمر إليه لم يفعل غير ذلك، وإذا علمت صحة تقسيم التفليس بمعنى التحجير إلى أعم وأخص وأن كلاً منهما يترتب عليه حكم لم يترتب على الآخر سقط بحث مصطفى رحمه الله مع ابن عرفة بأن ابن رشد لم يعبر بالأعم والأخص، وبأن حدّه للأخص غير مطابق لابن رشد لأن ابن رشد لم يجعله حكم الحاكم بخلع كل ماله بل جعله التمكين من البيع واقتسام المال إنما هو المانع من دخول الأولين إلخ. ووجه سقوط بحثه أن ابن رشد جعل كلاً من التمكين وحكم الحاكم مانعاً من دخول الأولين، لأنه قال: إذا مكنهم فباعوا واقتسموا فذلك مانع من دخول الأولين كتفليس السلطان إلخ. وتفليس السلطان هو حكمه بخلع كل المال إلخ. وإذا صحت الأعمية والأخصية معنى صح التعبير بهما وإن لم يعبر بهما ابن رشد ولا غيره، والله أعلم.
فرع:
قال في المدونة: وإذا كان لشخصين دين منجم فأذن أحدهما للآخر بقبض نجم من نجومه على أن يقبض هو النجم الذي بعده، فلما قبضه الأول فلس المدين فليرجع هذا على صاحبه لأنه سلف منه. اهـ.
وَحَلَّ مَا عليهِ مِنْ دُيُونِ ** إذْ ذاك كالحُلُول بالمَنُونِ

(و) إذا قام عليه الغرماء فمكنهم من ماله فأرادوا البيع والقسمة أو حكم الحاكم بخلع كل ماله (حل) بواحد من الأمرين (ما عليه من ديون إذ ذاك) ولو دين كراء ولو لم تستوف منفعته كدار مثلاً اكتراها وجيبة وفلس قبل مضي المدة، فإن المكري يحاصص بكرائه (كالحلول) أي كحلول الدين ولو كراء لم تستوف منفعته أيضاً (بالمنون) أي بالموت (خ): وحل به وبالموت ما أجل ولو دين كراء، ثم إذا حل غير المستوفي منفعته ففي الموت يبقى الكراء لازماً للمكري والورثة ويحاصص المكرى به ولا خيار له، وأما في الفلس فيخير المكري بين أن يسلم المنفعة للغرماء ويحاصص بالكراء، وبين أن يرجع في عين شيئه كله إن لم يستوف شيئاً من المنفعة فإن استوفى بعضها حاصص بما يقابل ما استوفى منها ويخير فيما لم يستوف في الرجوع فيما بقي من المنفعة وفي إسلامه والمحاصصة بما ينوبه من الكراء.
تنبيهان:
الأول: يباع ماله بالخيار ثلاثاً إذ بيع الحاكم إنما يكون بما ذكر فإن باع بغير خيار فللغرماء أو للمفلس رده كما في (ز). وأما بيعهم حيث مكنهم منه بغير حكم فهو بغير خيار ويترك له قوته والنفقة الواجبة عليه لظن يسرته، ويقسم ما حصل من ثمن ماله بنسبة الديون الخ كما في (خ).
الثاني: ما قررناه به من إدخال صورة تمكين الغريم من البيع والقسمة في كلامه هو المتعين كما هو ظاهر إطلاقه واطلاق غيره خلافاً لما في الزرقاني من أنه لا يحل الدين في تلك الصورة قائلاً، وإنما يحل بالحكم فقط أو الموت إلخ. لما علمت من أنه إذا مكنهم من بيع كل ماله لم يبق شيء للمؤجل دينه فيكون مخالفاً لما مّر عن (خ) أو بقي ما لا يفي المؤجل إلخ. وقد قال اللخمي: الديون المؤجلة لا حجر بسببها إلا أن تتغير حاله أو يظهر منه إتلاف يخشى معه أن لا يوجد عنده عند الأجل شيء فيحجر عليه، ويحل دينه إلا أن يضمن له أو يجد ثقة يتجر له به ويحال بينه وبينه. اهـ. ومخالف أيضاً لما مر عن ابن رشد من أن اقتسامهم للمال بمنزلة تفليس السلطان سواء، وبعد كتبي هذا وجدت للشيخ بناني اعتراضاً عليه بمثل ما ذكر.
والاعِتصارُ لَيْسَ بالمُكَلِّف ** لَهُ وَلا قُبُولُ غَيْرِ السَّلَفِ

(و) إذا كان المدين قد وهب لولده شيئاً قبل إحاطة الدين بماله فالهبة صحيحة فإذا فلس بعد ذلك ف (الاعتصار) للهبة المذكورة (ليس بالمكلف) أي اللازم (له) فإن اعتصر كان للغرماء أخذها (ولا) يكلف عليه أيضاً (قبول غير السلف) من هبة أو صدقة أو مداينة وكل ما تلحقه فيه منة، وأما السلف كما لو طاع شخص بأداء الدين عن المدين وبقائه فإذا حصل له يسر ما رجع به عليه فإنه لا كلام للمدين حاضراً كان أو غائباً أذن في الأداء عنه أم لا (خ): تشبيهاً في اللزوم كأدائه رفقاً لا عنتاً إلخ. وتقدم قول الناظم: إذ قد يؤدي الدين من لا أذنا إلخ. فإن قال المسلف: أنا لا أسلفه إلا إذا رضي المدين بقبوله أو طلبه مني فإن المدين لا يلزمه القبول حينئذ ولا الطلب، فمفهوم النظم فيه تفصيل. وهذا الثاني هو المشار له بقوله (خ): ولا يلزم بتكسب وتسلف واستشفاع وعفو للدية وانتزاع مال رقيقه وما وهبه لولده إلخ. فلا معارضة بين مفهوم النظم، وما لخليل من عدم لزوم تسلفه، وقوله: ولا يلزم بتكسب إلخ. تقدم أن محل هذا إذا لم يداين ليقضيهم من صنعته وإلاَّ أجبر عليها كما مّر عند قوله: أو معدم وقد أبان معذره إلخ.
وهو مُصَدَّقٌ إذَا مَا عَيَّنا ** مالاً له وَما عليه أُمِّنَا

(وهو) أي المفلس (مصدق إذ ما قد عينا مالاً له وما) أي ومالاً (عليه أمنا) بأن قال: هذا مالي وهذا أمانة عندي قراض أو وديعة أو عارية أو بضاعة فلا تقربوه ويكون للمقر له بيمينه كما في الطرر، وقيل لا يصدق، وثالثها المشهور يصدق إن قامت بأصله بينة تشهد أنهم يعلمون أن عنده سلعة وديعة أو قراضاً وإن لم يعينوها ولا سموا ربها ويكون ربها الذي أقر به المقر أحق بها ولو ممن يتهم عليه كأخيه وابنه لأن قيام البينة ينفي تهمته فإن لم يعينه المقر ولا البينة ولم يدع تلك السلعة أحد فتوضع في بيت المال على قاعدة المال الذي ضل صاحبه (خ): وقبل تعيينه القراض والوديعة إن قامت بينة بأصله إلخ. وظاهره أنه يأخذه ذو البينة بغير يمين وهو كذلك، ومثل البينة بأصله ما إذا شهدت أنه أقر قبل التفليس أن بيده للمقر له قراضاً أو وديعة كما في ابن يونس: ومن اكترى أرضاً بثمن إلى أجل فزرعها ثم فلس أو مات فإن المكري يقدم في أخذ كراء أرضه من زرعها على سائر الغرماء، بل وعلى ساقي الزرع ومرتهنه فلا شيء لهم من زرعها حتى يستوفي المكري كراءه كما قال:
وَرَبُّ الأرْضِ المكْتَرَاةِ إنْ طَرَقْ ** تَفْلِيسٌ أَوْ مَوْتٌ بِزَرْعِها أَحَقْ

(ورب الأرض المكتراة إن طرق تفليس أو موت بزرعها حق). لأن الزرع كرهن بيده في كرائها فيباع ويؤخذ الكراء من ثمنه وحوز الأرض للزرع كحوزه هو له فيقدم على حوز مرتهنه وساقيه لأن حوزها أشد من حوزهما لأنه نشأ عنها، وليس المراد أنه يأخذ الزرع في الكراء لئلا يؤدي إلى كراء الأرض بما يخرج منها، ثم ما ذكره من أنه أحق في الموت والفلس خلاف المشهور، ومذهب المدونة من أنه يكون أحق به في الفلس لا في الموت فلا يكون أحق به بل هو إسوة الغرماء فيه (خ): وقدم في زرعها في الفلس ثم ساقيه ثم مرتهنه أي ما فضل عن المكري يقدم فيه الساقي، وما فضل عنه يقدم فيه المرتهن، ثم ما فضل يكون للغرماء.
وَاحْكُمْ بِذَا لِبَائِعٍ أَوْ صَانِعٍ ** فيما بِأَيْدِيهِمْ فمَا من مانِعِ

(واحكم بذا) أي بكونه أحق في الموت والفلس (لبائع) سلعة مثلاً (أو صانع) كنساج وخياط فلس المشتري قبل قبض السلعة والمستأجر قبل أخذ الثوب من الصانع، فإن البائع أو الصانع أحق (فيما) أي في السلعة والثوب اللذين (بأيديهم) حتى يباع ويستوفي الأول ثمنه والثاني أجرته. (فما من مانع) لهم من ذلك (خ): والصانع أحق ولو بموت ما في يده إلخ. ومفهوم بأيديهم أما بالنسبة للصانع فإنه إذا سلم المصنوع لربه فهو إسوة الغرماء كما لو لم يحزه أصلاً كالبناء فإن رد لربه البعض وبقي البعض الآخر ففيه تفصيل، فإن كانا بعقد واحد ولم يسم لكل واحد قدراً فله حبس الباقي في أجرته وأجرة المردود، وإن تعدد عقدهما أو اتحد ولكن سمى لكل واحد قدراً فليس له أن يحبس الباقي في أجرة المردود قاله ابن يونس. وأما بالنسبة للبائع فهو قوله:
ومَا حَوَاهُ مُشْترٍ ويحْضُرُ ** فَرَبُّهُ في فَلَسٍ مُخَيَّرُ

(وما) بيع من السلع و(حواه) أي حازه (مشتر) من بائعه وقبل أن يدفع ثمنه فلس (و) الحال أن المبيع (محضر) بعينه قائم بذاته ثابت أنه له ببينة أو اعتراف المفلس قبل التفليس (فربه) البائع له أو القائم مقامه بإرث أو هبة الثمن أو صدقته (في فلس مخير) إن شاء تركه وحاص بثمنه وإن شاء أخذه ولا شيء له وظاهره أن التخيير المذكور ثابت ولو زادت في سوقها أو بدنها أو نقصت فيهما وهو كذلك.
إلا إذَا ما الغُرَمَاءُ دفَعُوا ** ثمنَهُ فأَخْذهُ مُمْتنِعُ

(إلا إذا ما الغرماء دفعوا) له (ثمنه) ولو من مالهم (فأخذه) له (ممتنع) حينئذ. فهذا أحد شروط التخيير، وثانيهما: أن يمكن أخذه لا إن لم يمكن كبضع، وثالثها: أن لا يتغير عن حالته لا إن تغير كما لو طحنت الحنطة أو فصل الثوب ونحو ذلك. ورابعها: أن يكون المبيع مما يعرف بعينه لا إن كان مما لا يعرف بعينه بعد الغيبة عليه كالمكيل والموزون والمعدود، ومفهوم في فلس أنه في الموت إسوة الغرماء (ح): وللغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس لا الموت ولو مسكوكاً أو آبقاً ولزمه أي الآبق خلافاً لمن قال: لا يلزمه لأن أخذ الآبق ابتداء شراء فيكون فاسداً ثم قال: إن لم يفده غرماؤه وأمكن لا بضع وعصمة وقصاص ولم ينتقل لا إن طحنت الحنطة أو خلط بغير مثلي إلخ. ومحضر اسم مفعول خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حالية كما قررنا، وفي بعض النسخ ويحضر بالمضارع المبني للمفعول فإعرابه كالأول، ومن اشترى شيئاً فوجد عيباً به فرده على بائعه ففلس البائع بعد رده عليه، وقبل أن يرد الثمن للمشتري فإن الراد لا يكون أحق به بل إسوة الغرماء كما قال:
وَلَيْسَ مَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَى ** أَوْلَى بِهِ في فَلَسٍ إنْ اعْتُرَى

(وليس من رد بعيب ما اشترى) بالبناء للفاعل (أولى به) من الغرماء (في فلس إن اعترى) وغشي بل هو إسوتهم كما مر بناء على أن الرد بالعيب نقض للبيع، وأما على أنه ابتداء بيع فيكون أحق به كما في المقدمات، وظاهره أنه لا يكون أحق به ولو أخذ عن دين وهو كذلك (خ) عاطفاً على ما لا يكون أحق به ما نصه: ورد السلعة بعيب وإن أخذت بدين واحترزت بقولي بفلس بعد ردها مما لو ردها عليه بعد فلسه فإنه لا يكون أحق بها مطلقاً سواء بنينا على أن الرد بالعيب نقض للبيع أو ابتداء بيع لأن ابتداء البيع بعد الفلس يمنع من أخذ البائع عين شيئه كما قال (خ) كبيعه ولم يعلم بفلسه، وأما لو أراد الرد وأقر بذلك على نفسه فوجد البائع قد فلس ففي كونه أحق بها وتباع في الثمن، أو لا يكون أحق بها وهو بمنزلة من ردها قبل الفلس، وصوبه ابن عاشر ومصطفى قولان.
وَالْخُلْفُ في سِلْعَةِ بَيْعٍ فاسِدِ ** ثَالِثُهَا اخْتِصَاصُهَا بالناقِدِ

(والخلف في سلعة بيع فاسد) كما لو ابتاعها بشرط الثنيا أو بشرط الحمل أو وقت نداء الجمعة بثمن نقده فيها أو صيرت له في دين في ذمة بائعها، واطلع على الفساد بعد تفليس البائع أو موته وفسخ البيع والسلعة لم تفت بيد المشتري وفات ثمنها، أو كان لا يعرف بعينه فقال سحنون: المشتري أحق بها مطلقاً وهو المعتمد، وقال ابن المواز: لا يكون أحق بها مطلقاً (ثالثها) لابن الماجشون (اختصاصها بالناقد) فيكون أحق بها فيه دون الآخذ لها عن دين فلا يكون أحق بها بل هو إسوة الغرماء (خ) وفي كون المشتري أحق بالسلعة تفسخ لفساد البيع أو لا أو في النقد أقوال إلخ. وقد علمت أن محل الخلاف إذا اطلع على الفساد بعد الفلس وأما لو اطلع عليه قبله فهو أحق بها باتفاق كذا في الرزقاني، والذي في الرجراجي أن من اشترى شراء فاسداً ففلس البائع بعد أن رد المشتري السلعة فلا سبيل له إليها قولاً واحداً، وإنما حقه في عين ثمنه إن وجده فإن فلس بعد أن فسخ البيع وقبل أن يرد المشتري السلعة فهل يكون أحق بالسلعة أم لا؟ فذكر الأقوال المتقدمة. وقولي: والسلعة لم تفت احترازاً مما إذا فاتت فإنه يمضي بالقيمة ويحاصص بباقي الثمن إن كانت أقل، وقولي: وفات ثمنها احترازاً مما إذا لم يفت وكان يعرف به فإنه يكون أحق به اتفاقاً.
وَزَوْجَةٌ في مَهْرِها كالغُرَما ** في فَلَسٍ لا في المَمَاتِ فاعْلَمَا

(وزوجة) ولو لم يدخل بها الزوج حيث لم يكن دفع لها الصداق. (في مهرها كالغرما. في فلس لا في الممات فاعلما) كذا في الجلاب. قال اللخمي: ولا وجه لهذه التفرقة وقيل لا تحاصص فيهما. وثالثها المشهور تحاصص فيهما (خ): وحاصت الزوجة بما أنفقت وبصداقها كالموت إلخ. وظاهره أنها تحاصص بجميعه ولو فلس قبل البناء وهو كذلك لأنه دين في ذمته حل بموته أو تفليسه، وإذا حاصت بجميعه ثم طلقها قبل البناء فإنها ترد ما زاد على تقدير المحاصة بنصفه وقوله: بما أنفقت أي على نفسها أو على الزوج حال يسره في غيبته أو حضرته، لكن في الغيبة إنما تحاصص بما أنفقت على نفسها من يوم الرفع للحاكم، وسواء تقدم إنفاقها على دين الغرماء أو تأخر ولو بعد تفليسه لكنه يترك له النفقة الواجبة عليه ومنه نفقة الزوجة إل أن أنفقت عليه حال عسره، فإنها لا تحاصص بها ولو غاب لسقوطها عنه بالعسر.
وَحَارِسُ المَتَاعِ والزَّرْعِ وَمَا ** أشْبَهَهُ مَعَهُمْ قد قَسَما

(وحارس المتاع والزرع وما أشبهه) كأجير رعي أو علف ونحوه (معهم) أي الغرماء (قد قسما) أي حاصص بأجرته في الموت والفلس ولا يكون أحق بما يحرسه ويرعاه إلا أن يكون الراعي لا يبيت بالماشية عند ربها بل يبيت بها بداره فيكون أحق بها، ومثل الحارس في عدم الاختصاص صاحب الحانوت يحمل كراؤه على مكتريه حتى فلس أو مات فإنه لا يكون أحق بما في الحانوت (خ): تشبيهاً فيما لا اختصاص فيه كأجير رعي ونحوه وذي حانوت فيما به إلخ. وأما مكتري الدابة يفلس مكريه أو يموت فإنه أحق بالمعينة أو بمنفعتها قبضت أم لا حيث نقد كراءها حتى يستوفي ما نقده، وأما غير المعينة وهي المضمونة فإنه أحق بها إن قبضت (خ): والمكتري بالمعينة وبغيرها إن قبضت ولو أديرت إلخ.
تتمة:
قال المازري: لا يختلف أن الورثة منهيون عن البيع قبل وفاء الدين فإن فعلوا فللغرماء فسخه هذا إن لم يقدروا على أداء الدين إلا بالفسخ، وأما إن قضاه الورثة من أموالهم أو أسقط الغرماء حقوقهم فالأشهر من المذهب أن البيع لا يفسخ لأن النهي عن البيع لحق المخلوقين، وقد سقط. اهـ. ابن عبد السلام: وخرج بعضهم على رواية أشهب عن مالك أن الورثة إذا عزلوا للدين أضعافه وباعوا ليرثوا أن البيع باطل ويفسخ فيكون لجميع الغرماء إذا لم يحضروا البيع أخذ السلع من أيدي المشترين إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما في أيديهم أو ثمنه أو بعضه إن كان قائماً. اهـ. وقد تقدم في القسمة والصلح أن الورثة إذا باعوا التركة قبل القسم أو بعده فبيعهم ماض لا ينقض للدين كان فيه محاباة أم لا وإنما كررناها في هذه الأبواب لكثرة وقوعها وكثرة التنازع فيها.